قامت 3 مؤسسات مالية عالمية كبرى، بتخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري خلال الأسبوعين الماضيين، الأمر الذي رائها خبراء الأقتصاد أنه غير عادي، وأنه بهدف الضغط على مصر لقبول بعض الملفات التي ترفضها مصر بشكل قاطع على رأسها ملف القضية الفلسطينية.
وخفضت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف إصدارات الديون السيادية المصرية طويلة الأجل بالعملة الأجنبية إلى درجة «-B» بدلا من درجة «B» مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وأيضا خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني تصنيف ديون مصر السيادية بالعملة المحلية والعملات الأجنبية طويلة الأجل من درجة B إلى -B مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وكذلك وكالة موديز خفضت تصنيف ديون مصر السيادية إلى درجة Caa1 بدلا من درجة B3.
مؤسسات التصنيف الائتمانية مسيسة
فمن جانبه قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، أن بعض قرارات مؤسسات التصنيف الائتمانية مسيسة نوعا ما خاصة لأنها تأتي عكس الواقع في استقرار الاقتصاد المصري، موضحا أنها جاءت بعد انضمام مصر لتجمع بريكس إضافة لتنويع مصر مصادر تمويلها وتنويع علاقاتها الاقتصادية، إضافة لموقف مصر من القضية الفلسطينية فهناك ضغوطا تمارس على مصر.
وأشار في تصريحات خاصة لجريدة «جيل الغد»، إلى تقارير مؤسسات التصنيف تأتي نوعا من الضغوط السياسية على مصر، لأن الاقتصاد المصري مستقر ويحقق تقدما خاصة أن الدولة تمضي في مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وتهيئة بيئة الأعمال فأصبحت جاذبة للاستثمارات الأجنبية والقطاع الخاصة من خلال بنية تحتية وتشريعية قوية حيث أقرت مصر وثيقة سياسة ملكية الدولة لزيادة مساهمة القطاع الخاص بنسبة 65% في الاستثمارات المنفذة.
وأوضح أن تصنيف فيتش يشير إلى بطء التقدم في الإصلاحات، إضافة إلى تأخير الانتقال إلى نظام أكثر مرونة لسعر الصرف ومراجعات برامج صندوق النقد الدولي، وزيادة المخاطر التي تهدد التمويل الخارجي لمصر.
وأكد أن ربط وكالات التصنيف سواء فيتش وغيرها التصنيف الائتماني بمراجعة صندوق النقد الدولي هو تقييم غير عادل وغير محايد؛ لأن تقييمها لم يتم وفقا للأوضاع الاقتصادية المستقرة جدا في مصر، إضافة التزام مصر بسداد ديونها الخارجية رغم التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تواجهها مصر بسبب الحروب، فقد سددت مصر 52 مليار دولار التزامات خارجية خلال العامين الماضيين.
وأوضح أن الاقتصاد المصري مازال قادر على توفير الاحتياجات التمويلية الخارجية، مشيرا إلى أن مصر نجحت في إصدار سندات الباندا في السوق الصينية المقومة باليوان بما يعادل 500 مليون دولار، كما نجحت في طرح سندات الساموراي بالين الياباني بقيمة 500 مليون دولار في مارس 2022.
وتابع أنه جاري طرح خلال الفترة المقبلة الإصدار الثاني من سندات الساموراي بقيمة 75 مليار ين ياباني ما يعادل نحو نصف مليار دولار، لأجل خمس سنوات بعائد متوسط 1.5%، الأمر الذي يؤكد على سهولة حصول مصر على التمويل الخارجي بعكس تصنيف مؤسسة فيتش، هذا بالإضافة إلى اتفاق مبادلة الديون بين مصر والصين والذي يهدف لإقامة مشاريع استثمارية صينية في مصر مقابل إسقاط تلك الديون عن الدولة، ما يقلل من ديون مصر الخارجية، إضافة لتحديد مصر مصادر توفير احتياجاتها التمويلية الخارجية بنحو 4 مليار دولار حتى نهاية العام المالي الحالي.
ولفت غراب، إلى أن الفترة القادمة سيتم الانتهاء من مراجعة صندوق النقد الدولي ما يعقبه تحسن التصنيف الائتماني مرة أخرى لدى كافة وكالات التصنيف، موضحا أن مصر تتحرك في اتجاه توفير احتياجاتها من العملة الصعبة بعدد من المبادرات والقرارات.
تخفيض التصنيف لن يكون التخفيض الأول ولا الأخير
وقالت محللة سوق المال، الدكتورة حنان رمسيس، إن تخفيض التصنيف الائتماني لن يكون التخفيض الأول ولا الأخير، خاصة وأن مصر لديه مشكلة في توفير النقد الأجنبي، لذا الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا الدول الأوروبية، تضغط على الاقتصاد المصري لقبول بعض الملفات التي ترفضها، كما جعلوا ملف الديون الخاص بصندوق النقد الدولي هو الضاغط على مصر.
وعن تخفيض التصنيف الائتماني.. أشارت في تصريحات خاصة لـ «الشرق الأوسط»، إلى أن في حالة قدرة مصر على ضبط تدفقات العملة الأجنبية، من الممكن أن تتغير هذه التصنيفات في لمح البصر، خاصة وأنها غير مرتبط بإداء طويل الأجل، منوهة إلى أن في ظل كانت التصنيفات الأجنبية جيدة، كان هناك خسائر في البورصة المصرية، وتراجع في الاستثمارات، ولكن مع وجود تصنيفات سلبية، فهناك ارتفاع في نسبة الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي يجعلنا نقول «يا مرحب بالتصنيفات السلبية في سبيل قدوم استثمارات أجنبية جيدة».
وأضافت رمسيس أن الفترة الأخيرة شهدت عدم استقرار سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، نتيجة بعض الإجراءات العديدة التي يتخذها المواطن أدت إلى حدوث شح في توفر العملة الأجنبية، الأمر الذي جعل سعر الدولار في السوق الموازي يرتفع إلى مستوى 48 جنيها، وفي العقود الآجلة ارتفع إلى أكثر من 45 جنيها.
وتابعت، أن هناك ضغوط على مصر من قبل صندوق النقد الدولي، حتى يتم تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار (أي التعويم)، مع العلم أن هذه الخطوة ستكون مضرة بشكل كبير على الاقتصاد المصري؛ وذلك لأنه يؤدي إلى مزيد من التضخم، وأيضا مزيدا من عجز مصر عن سداد التزاماتها، وأيضا ارتفاع الأسعار في الشارع المصري، وارتفاع تكلفة المعيشة، واستمرار وتعميق عجز الموازنة، وما يترتب عليه ارتفاع أسعار الذهب والعقارات والسيارات.
وأشارت، إلى أن عدم موافقة مصر على تطبيق التعويم، أدى إلى قيام المؤسسات العالمية إلى تخفيض التصنيف الإئتماني لمصر، مؤكدا أن هذه الضغوط لم تؤثر على جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، وذلك يعود إلى أن هناك شركات مباشرة في العديد من المحاور، حيث اتخذت مصر خلال السنوات الأخيرة الماضية إجراءات لدعم توطين الصناعات، وأيضا دعم التصدير، والرخصة الذهبية، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة في محور قناة السويس.
وأوضحت، أن التصنيف الإئتماني يكون هدفه إعطاء إشارة إلى المستثمر الأجنبي، أن الدولة غير مستقرة ماليا، ولكن تدفقات الاستثمارات المستمرة تعطي انطباع أن هذا التصنيف لا يعتد به المستثمر العربي ولا الأجنبي في ظل ظروف سياسية متوترة.
ضغط على مصر لقبول ملفات ترفضها
فيما قال الخبير الاقتصادي، الدكتور سامح هلال، أن تخفيض التصنيف الائتماني يكون وسيلة ضغط على الاقتصاد المصري لقبول بعض الملفات التي ترفضها، ويؤثر على المدى القصير على عوائد السندات المحلية، كما يؤدي إلى ارتفاع أذون الخزانة.
وقال الدكتور سامح هلال في تصريحات خاصة لـ «الشرق الأوسط»، أن تخفيض التصنيف الائتماني هي رسالة إلى المستثمر الأجنبي بالابتعاد عن شراء أذون الخزانة المحلية، وكذلك الاستثمار في أدوات الدين المحلية، مشيرا إلى أن ذلك سوف يؤدي إلى ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، ويؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري.
أسباب تخفيض التصنيف الائتماني لمصر
وعن أسباب تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، قال الخبير الاقتصادي، محمد أنيس، إن تخفيض مؤسسة فيتش التصنيف الائتماني بالعملة الأجنبية لمصر من مستوى (B) إلى مستوى (B-)، يعود إلى 3 أسباب رئيسية، الأول التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط التي تتمثل في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الفائدة على الدولار الأمريكي، وارتفاع التضخم عالميا.
وأضاف الخبير الاقتصادي ومحلل سوق المال في تصريحات خاصة لـ«جيل الغد»، أن هناك 3 مؤسسات مالية اتخذت قرار تخفيض التصنيف الائتماني لمصر وعددا من الدول أبرزهم المسئولة عن الصراع الحالي إسرائيل، الأولى مؤسسة موديز وكذلك مؤسسة ستاندرد آند بورز، بالإضافة إلى مؤسسة فيتش، وذلك بناءا على الثلاثة عوامل التي سبق ذكرها، لذا فإن الأمر غير مقلق.
تداعيات تخفيض التصنيف الائتماني
وأشار إلى أن تداعيات تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، سوف يرفع تكلفة التمويل في الموازنة العامة للدولة، ولكن مصر كان لها خطوات سباقة خلال الفترة الماضية، تتمثل في توفير وسائل تمويل غير تقليدية، استطاعت من خلالها الابتعاد عن طرح السندات التقليدية.
وتابع أن الدولة المصرية لجأت إلى أساليب التمويل غير تقليدية مثل طرح سندات باندا في الصين بمعدلات فائدة لا تتخطى 2.8%، وكذلك طرح ساموريا في اليابان، بالإضافة إلى التفكير في طرح سندات خضراء بمعدل فائدة أقل، بشرط استخدامها في الاقتصاد الأخضر، وكذلك مبيعات الأصول الذي يوفر تمويل جيد على مدار العام الحالي، الاتفاق مع مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي.
وعن توقيت ارتفاع التصنيف الائتماني لمصر، قال محمد أنيس، إنه سوف يحدث عندما تزول التوترات الجيوسياسية ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأيضا عند إنتهاء دورة التشديد النقدي على الدولار الأمريكي، وذلك لن يحدث إلا بعد النصف الثاني من 2024، وكذلك عندما يحدث استقرار في أسعار النفط والغذاء العالمي، فعندما تحدث هذه العوامل سوق يعود التصنيف الائتماني المصري للارتفاع مرة أخري.
Next Post
- Comments
- Facebook Comments